فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (23):

{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}
{آمَنُواْ} {الصالحات} {جَنَّاتٍ} {الأنهار} {خَالِدِينَ} {سَلامٌ}
(23)- أَمَّا المُؤْمِنُونَ الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَعَمِلُوا فِي الدُّنْيَا الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ، وَأَخْلَصُوا العِبَادَةَ للهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُدْخِلَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي المِيَاهُ فِي جَنَبَاتِهَا، لِيَكُونُوا فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً، لا يَحُولُونَ عَنْهَا وَلا يَزُولُونَ، بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، وَتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الإِيمَانِ، وَفِعْلِ الخَيْرَاتِ وَتُحْيِّيهِمُ المَلائِكَةُ فِيهَا قَائِلِينَ لَهُمْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ.

.تفسير الآية رقم (24):

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)}
(24)- بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي الآيَاتِ السَّابِقَاتِ حَالَ الأَشْقِيَاءَ، وَمَا يُلاقُونَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الأَهْوَالِ الشَّدِيدَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، كَمَا بَيَّنَ حَالَ السُّعَدَاءِ الأَبْرَارِ وَمَا يَنَالُونَهُ مِنْ فَوْزٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلاً يُبَيِّنُ حَالَ الفَرِيقَيْنِ، وَيُوَضِّحُ الفَرْقَ بَيْنَهُمَا، لِتَقْرِيبِ الصُّورَةِ إِلَى العُقُولِ وَالأَفْهَامِ فَقَالَ تَعَالَى: أَلَمْ تَعْلَمْ يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ عِلْمَ اليَقِينِ، كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً وَوَضَعَهُ المَوْضِعَ اللائِقَ بِهِ، فَشَبَّهَ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ (وَهِي الإِيمَانُ الثَّابِتُ فِي قَلْبِ المُؤْمِنِ الذِي يَرْفَعُ بِهِ عَمَلُهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَنَالُهُ بَرَكَتُهُ وَثَوَابُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ)، بِالشَّجَرَةِ المُثْمِرَةِ الجَمِيلَةِ المَنْظَرِ التِي أَصْلُهَا رَاسِخٌ فِي الأَرْضِ وَفُروعُهَا مُتَصَاعِدَةٌ إِلى السَّمَاءِ.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ هِيَ قَوْلُ لا إلهَ إِلا اللهُ، وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الطَّيِّبَةَ هِي النَّخْلَةُ).
كَلِمَةً طَيِّبَةً- هِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالإِسْلامِ.

.تفسير الآية رقم (25):

{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)}
(25)- وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا ثِمَارُهَا فِي كُلِّ حِينٍ، وَفِي كُلٍّ آنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا اللهِ، كَذَلِكَ المُؤْمِنُ لا يَزَالُ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي كُلِّ حِينٍ، وَاللهُ يَضْرِبُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لِيُقَرِّبَ الأُمُورَ إِلَى أَفْهَامِهِمْ، وَيَزِيدَ فِي إِيضَاحِهَا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَتَّعِظُونَ وَيَتَذَكَّرُونَ.
تُؤْتِي أُكُلَهَا- تُعْطِي ثَمَرَهَا الذِي يُؤْكَلُ.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}
(26)- وَضَرَبَ اللهُ تَعَالَى مَثَلاً لِكَلِمَةِ الكُفْرِ وَمَا مَاثَلَهَا (كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ)، شَجَرَةً خَبِيثَةً كَالحَنْظَلِ وَنَحْوِهِ، لَيْسَ لَهَا جُذُورٌ ثَابِتَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفُرُوعُهَا لا تَتَجَاوَزُ سَطْحَ الأَرْضِ، وَقَدِ اقْتُلِعَتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ لأنَّ عُرُوقَها قَرِيبةٌ مِنْ سَطْحِ الأَرْضِ، وَأُلْقِيَتْ.
كَمَا أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الخَبِيثَةَ لا ثَبَاتَ لَهَا وَلا دَوَامَ، وَثَمَرُهَا مُرُّ المَذَاقِ، كَذَلِكَ الكُفْرُ لا يَدُومُ وَلا يَثْبُتُ، وَعَاقِبَتُهُ وَخِيمَةٌ.
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ- كَلِمَةِ الكُفْرِ وَالضَّلال.

.تفسير الآية رقم (27):

{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)}
{آمَنُواْ} {الحياة} {الآخرة} {الظَّالِمِينَ}
(27)- بَعْدَ أَنْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ، أَخْبَرَ عَنْ فَوْزِ أَصْحَابِهَا بِبُغْيَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَهُوَ تَعَالَى قَدْ ثَبَّتَهُمْ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ التِي ذَكَرَهَا اللهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ- إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ فِتْنَتَهُمْ وَصَرْفَهُمْ عَنش الإِيمَانِ- كَمَا يُثَبِّتُهُمْ بَعْدَ المَوْتِ فِي القَبْرِ.
أَمَّا الكُفَّارُ الظَّالِمُونَ، الذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَبْدِيلِ فِطْرَةِ اللهِ التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَعَدَمِ اهْتِدَائِهِمْ إِلَى القَوْلِ الثَّابِتِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُضِلُّهُمْ عَنِ الحَقِّ. وَاللهُ تَعَالَى بِيَدِهِ الهِدَايَةُ وَالضَّلالُ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سُئِلَ المُؤْمِنُ فِي القَبْرِ شَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى {يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة}. أَمَّا الكَافِرُ فَإِذَا أُدْخِلَ فِي قَبْرِهِ أُقْعِدَ فَقِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ وَأَنْسَاهُ اللهُ ذِكْرَ ذَلِكَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ مَنِ الرَّسُولُ الذِي بُعِثَ إِلَيْكُمْ، لَمْ يَهْتَدِ لَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ بِشَيءٍ. فَذَلِكَ مَعَنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُضِلُّ الظَّالِمِينَ». رَوَاهُ البُخَارِي.
فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا- وَفِي القََبْرِ عِنْدَ السُّؤَالِ.

.تفسير الآية رقم (28):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)}
{نِعْمَةَ}
(28)- أَلَمْ تَعْلَمْ وَتَعْجَبْ مِنْ قَوْمٍ أَتَتْهُمْ نِعْمَةُ اللهِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْكُرُوهَا وَيُقَدِّرُوهَا، وَلَكِنَّهُمْ غَمَطُوهَا، وَكَفَرُوا بِهَا وَجَحَدُوهَا، كَأَهْلِ مَكَّةَ الذِينَ أَسكَنَهُمُ اللهُ حَرَماً آمِناً تُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيءٍ، وَجَعَلَهُمْ سَدَنَةَ بَيْتِهِ، وَشَرَّفَهُمْ بِإِرْسَالِ نَبِيٍّ مِنْهُم، فَكَفَرُوا بِتِلْكَ النِّعْمَةِ، فَأَصَابَهُمُ الجَدْبُ وَالقَحْطُ سَبْعَ سِنِينَ، وَأُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً مِنْ سَرَاتِهِمْ وَقَادَتِهِمْ... وَأَحَلُّوا الذِينَ شَايَعُوهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ دَارَ الهَلاكِ (دَارَ البَوَارِ).
دَارَ البَوَارِ- دَارَ الهَلاكِ وَهِيَ جَهَنَّمُ.

.تفسير الآية رقم (29):

{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)}
(29)- وَدَارُ البَوَارِ هِيَ جَهَنَّمُ يُلْقَوْنَ فِيهَا لِيُقَاسُوا حَرَّهَا. وَيَبْقَونَ فِيهَا خَالِدِينَ أَبَداً، وَبِئْسَ المَقَامُ وَالمُسْتَقَرُّ.
يَصْلَوْنَهَا- يَدْخُلُونَهَا، أَوْ يُقَاسُونَ حَرَّهَا.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}
(30)- وَجَعَلُو للهِ شُرَكاءَ (أَنْدَاداً) عَبَدُوهُمْ مَعَهُ، وَدَعُوا النَّاسَ إِلَى عِبَادَتِهِمْ، لِيَصْرِفُوهُمْ عَنِ سَبِيلِ اللهِ القَوِيمِ، فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤلاءِ المُشْرِكِينَ الذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةِ اللهِ كُفْراً، وَجَعَلُو للهِ أَنْدَاداً، وَصَدُّوا النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ دِينِهِ الحَنِيفِ: اسْتَمْتِعُوا فِي الدُّنيا، قَدرَ مَا تَسْتَطِيعُونَ وَافْعَلُوا مَا يُمْكِنُكُمْ فِعْلُهُ، فَإِنَّ أَعْمَالَكُمْ هَذِهِ سَتُورِدُكُمْ مَوَارِدَ الهَلاكِ، وَسَيَكُونُ مَصِيرُكُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ جَزَاءً وِفَاقاً.
أَنْدَاداً- أَمْثَالاً مِنَ الأَوْثَانِ يَعْبُدُونَهَا.

.تفسير الآية رقم (31):

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)}
{آمَنُواْ} {الصلاة} {رَزَقْنَاهُمْ} {خِلالٌ}
(31)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِطَاعَتِهِ، وَالقِيَامِ بِحَقِّهِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُتِمُّوهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَخُشُوعِهَا، وَبِأَنْ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَالإِنْفَاقِ عَلَى الأَقْرِبَاءِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى غَيْرِ الأَقَارِبِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى المُبَادَرَةِ إِلَى ذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمٌ لا بَيْعَ فِيهِ، وَلا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ فِدْيَةٌ يُفْتَدَى بِهَا مِنَ العَذَابِ، وَلا تَنْفَعُ الإِنْسَانَ صَدَاقَةُ صَدِيقٍ، وَلا شَفَاعَةُ شَفِيعٍ.
لا خِلالٌ- لا مُخَالَّةٌ وَلا مُوَادَّةٌ.

.تفسير الآية رقم (32):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)}
{السماوات} {الثمرات} {الأنهار}
(32)- يَلْفِتُ اللهُ تَعَالَى نَظَرَ الخَلْقِ إِلَى الأَدِلَّةِ المَنْصُوبَةِ فِي الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ التِي تُوجِبُ عَلَى العِبَادِ المُثَابَرَةَ عَلَى شُكْرِهِ، وَدَوَامِ طَاعَتِهِ، وَيُعَدِّدُ النِّعَمَ العَظِيمَةَ التِي أَغْدَقَهَا عَلَيْهِمْ لِيَكُونَ فِي ذَلِكَ حَثٌّ لَهُمْ عَلَى التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، فِيمَا يَأْتُونَ، وَفِيمَا يَذَرُونَ، فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ خَلَقَ لَهُمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَخَلْقَهُمَا أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ الإِنْسَانِ، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَطَراً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ، وَأَخْرَجَ الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ مُخْتَلِفَةَ الأَلْوَانِ وَالأَشْكَالِ، وَالطُّعُومِ وَالمَنَافِعِ، وَسَخَّرَ السُّفُنَ وَالمَرَاكِبَ (الفُلْكَ) لِمَنْفَعَةِ الإِنْسَانِ، وَجَعَلَهَا طَافِيَّةً عَلَى سَطْحِ المَاءِ، وَسَخَّرَ البَحْرَ لِحَمْلِهَا لِتَسْهِيلِ انْتِقَالِ النَّاسِ فِيهَا، وَسَخَّرَ الأَنْهَارَ تَشُقُّ الأَرْضَ مِنْ قٌطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَيَشْرَبُ مِنْهَا النَّاسُ وَالأَنْعَامُ، وَتُسْقَى الزُّرُوعُ مِنْهَا، وَتَجْرِي فِيهَا المَرَاكِبَ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِيهِ رِزْقٌ وَمَنَافِعُ لِلْعِبَادِ.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)}
{دَآئِبَينَ} {الليل}
(33)- وَسَخَّرَ لِلنَّاسِ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ، يَسِيرَانِ دَائِمَيْ الحَرَكَةِ (دَائِبَيْنِ)، لا يَفْتُرَانِ، لَيْلاً وَلا نَهَاراً، وَسَخَّرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَعَاقَبَانِ، وَيَتَفَاوَتَانِ طُولاً وَقِصَراً، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً، وَالنَّهَارَ مَعَاشاً لَهُمْ.
دَائِبَيْنِ- دَائِمَيْنِ فِي حَرَكَتِهِمَا وَمَنَافِعِهِمَا لَكُمْ.

.تفسير الآية رقم (34):

{وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}
{وَآتَاكُم} {نِعْمَتَ} {الإنسان}
(34)- وَهَيَّأَ لَكُمْ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ، مِمَّا تَسْأَلُونَهُ بِلِسَانِكُمْ، وَبِلِسَانِ حَالِكُمْ، وَنِعَمُ اللهِ عَلَى النَّاسِ لا تُعَدُّ وَلا تُحْصَى، وَالإِنْسَانُ عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يُؤَدِّيَ الشُّكْرَ للهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهِ. وَبَدَلاً مِنْ أَن يَقُومَ الإِنْسَانُ بِشُكْرِ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ، فَإِنَّهُ يَكْفُر هذِهِ النِّعَمَ، وَقَدْ يَشْكُرُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ غَيْرَ مَنْ تَفَضَّلَ بِالإِنْعَامِ بِهَا عَلَيْهِ كَالأَصْنَامِ وَالأَنْدَادِ، فَهُوَ ظَلُومٌ كَثِيرُ الكُفْرَانِ لِلنِّعْمَةِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنِيً عَنْهُ رَبَّنا». رَوَاهُ البُخَارِي.
لا تُحْصُوهَا- لا تُطِيقُوا عَدَّهَا لِعَدَمِ تَنَاهِيهَا.

.تفسير الآية رقم (35):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)}
{إِبْرَاهِيمُ} {آمِناً}
(35)- وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ، وَأَنْتَ تَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ، خَبَرَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِذْ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ مَكَّةَ بَلَداً آمِناً فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهَا بَلَداً حَرَاماً آمِناً لا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ، وَلا يُظْلَمُ فِيهَا أَحَدٌ {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً} كَمَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ أَنْ يُجَنِّبَهُ، وَيُجَنِّبَ بَنِيهِ، عِبَادَةَ الأَصْنَامِ، وَأَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَمِلَّةِ الإِسْلامِ.
اجْنُبْنِي- أَبْعِدْنِي وَنَحِّنِي.

.تفسير الآية رقم (36):

{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)}
(36)- فَقَدْ أَضَلَّتْ هَذِهِ الأَصْنَامُ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ افْتَتَنُوا بِهَا فَعَبَدُوهَا، وَتَبَرَّأَ إِبْرَاهِيمُ مِمَّنْ عَبَدَ الأَصْنَامَ وَقَالَ: إِنَّ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ ذُرْيَّتِهِ عَلَى دِينِهِ، وَأَخْلَصَ العَمَلَ وَالعِبَادَةَ للهِ، فَهُوْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ. أَمَّا العُصَاةُ الذِينَ يُخَالِفُونَهُ، وَيَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ، فَقَدْ رَدَّ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، أَمْرَهُمْ إِلَى مَشِيئَةِ اللهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ، وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

.تفسير الآية رقم (37):

{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}
{الصلاة} {الثمرات}
(37)- وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، رَبَّهُ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ البَيْتَ الحَرَامَ (الكَعْبَةَ)، فَقَالَ: رَبِّ إِنَّنِي أَسْكَنْتُ أُنَاساً مِنْ أَبْنَائِي وَذُرِّيَتِي بِهَذا الوَادِي الذِي لا زَرْعَ فِيهِ، عِنْدَ بَيْتَكَ الحَرَامِ، الذِي أَمَرْتَنِي بِإِقَامَتِهِ فَأَقَمْتُهُ، وَقَدْ جَعَلْتَهُ مُحَرَّماً لِيَتَمَكَّنَ أَهْلُهُ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ عِنْدَهُ، فَاجْعَلْ جَمَاعَاتٍ مِنَ النَّاسِ تَأْتِي إِلَيْهِمْ (أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)، وَمَعَهُمُ الأَرْزَاقُ وَالمِيرَةُ وَالثَّمَرَاتُ لِيَأْكُلوا مِنْهَا، وَلَيَكُونَ ذَلِكَ عَوْناً لَهُمْ عَلَى طَاعِتكَ وَشُكْرِكَ.
وَقدِ اسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فَفَرَضَ عَلَى النَّاسٍ الحَجَّ إِلَى البَيْتِ الحَرَامِ، وَأَلْهَمَهُمُ القِيَامَ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا} تَهْوِي إِلَيْهِمْ- تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ شَوْقاً وَوِدَاداً.